جمهورية سوريا الحرة

30/10/2011

جمهورية سوريا الحرة

(أرضٌ وشعبٌ وجيش)

مجاهد مأمون ديرانية

كأني أسمعكم تقولون: عن أي جمهورية تتحدث؟ أما علمتم أيها السادة؟ إنني أتحدث عن الجمهورية الحرّة التي وُلدت يوم خرجت إلى شوارع سوريا أولُ كوكبة من الحرائر والأحرار لتغنّي أغنيّةً طال الشوقُ إلى سماعها: “حرية حرية”، “الشعب السوري لا يُذَل”، “وينك يا سوري وينك؟”، “الموت ولا المذلة”، “شهداء بالملايين عالجنة رايحين”… وصولاً إلى “الشعب يريد إسقاط النظام”.

هل تذكرون يوم الإثنين الرابع عشر من آذار؟ أمسى المساءُ يومَها على سوريا وهي كلها في قبضة سلطة الاحتلال الأسدية، وهي سجن كبير لثلاثة وعشرين مليوناً من السوريين، تماماً كما كان الأمر في اليوم الذي سبقه والذي قبله وقبله، خلال السنوات الأربعين الماضية. في اليوم التالي تمرّد عددٌ قليل من الأسرى وقرروا أن يطالبوا بحريّتهم، وفي الأيام الثلاثة التالية استمر البعض بالتمرد، وعندما خرج الناس أخيراً من صلاة الجمعة في اليوم الرابع، الثامن عشر من آذار، تأكد كل مراقب لما يجري في سوريا أن الأمور لن تعود أبداً كما كانت، وأن الشعب الأسير قد اتخذ قراره الأخير: تحطيم الأسوار والخروج إلى عالم الحرية.

منذ ذلك اليوم لم يسيطر النظام المجرم في سوريا على كل سوريا وعلى كل السوريين قط، ففي كل يوم تزداد رقعة الأرض المحرَّرة التي فقد سيطرته عليها ويزداد عدد الأحرار الذين تحرروا من الأَسْر والعبودية، وها أنتم ترونه كيف يتحرك في هَيَجان غير مسبوق وينقل عصاباته وقوّاته من بقعة إلى أخرى محاولاً استرجاع سيطرته عليها وممنّياً نفسه بعودة الشعب الأسير إلى السجن الكبير. وهيهات؛ متى عاد ماردٌ إلى قمقم خرج منه؟ ومتى رأت عينُ الزمان مارداً يتوق إلى حريته كالمارد السوري الأبيّ الكريم؟

نعم أيها السادة، لقد وُلدت جمهورية سوريا الحرة منذ مئتين وثلاثين يوماً، وكل بقعة من الأرض خرجت من سيطرة النظام الأسدي المحتل هي قطعة من أرض جمهوريتنا الحرة؛ كل شارع تمشي فيه مظاهرة في طول سوريا وعرضها هو شارع من شوارع جمهوريتنا الحرة، فإن النظام لا يسمح بالمظاهرات في الأرض المحتلة. كل ساحة يحتفل فيها الأحرار بالحرية هي ساحة من ساحات جمهوريتنا الحرة، فإن نظام الاحتلال لا يسمح بالمهرجانات في الأرض المحتلة. كل أرض تظلّلها سماءٌ يهتز جوُّها بالهتافات المعادية لنظام الاحتلال هي جزء من أرض جمهوريتنا الحرة، فإن نظام الاحتلال لا يسمح بالهتافات في الأرض المحتلة… أرأيتم كم هي واسعةٌ مساحةُ جمهورية سوريا الحرة اليوم؟ وإنها في اتساع يوماً بعد يوم بإذن الله الواحد القهّار.

*   *   *

إن لكل بلد حرة أرضاً، وتلك الأرض الحرة هي أرض جمهوريتنا الحرة. ثم إن لكل جمهورية شعباً، وشعب جمهورية سوريا الحرة هم كِرام الأمة وأبطالها الذين خرجوا إلى شوارعها يطلبون حريتهم وحرية بلادهم، من رجال ونساء وكبار وصغار. لا تقولوا إنهم قلّة، فإن المئة الذين خرجوا إلى الشوارع أولَ يوم صاروا مئة ألف بعد شهر، وصاروا اليوم ملايين. إنه بحر يبتلع أرض الظلم والقهر والاستعباد… متى رأيتم بحراً هزم موجَه الغاضبَ الفوّارَ إنسانٌ، كائناً ما كان؟

ولكل جمهورية جيش، وجيش جمهورية سوريا الحرة هو الجيش الحر الذي شكله شرفاء العسكريين، الذين يقطع الواحدُ منهم نصفَ الطريق إلى الشهادة في اللحظة التي ينشقّ فيها عن جيش الاحتلال الأسدي، ومع ذلك فإنهم ينشقّون ولا يبالون؛ إنهم العمالقة الذين ستذكرهم سوريا وسوف تروي حكايات بطولاتهم الأجيالُ للأجيال. ولا تقولوا إن هذا الجيش صغير، فإن مصير الصغير أن يصير كبيراً، ولن يلبث الواحد من أبطاله أن يصير ألفاً من الأبطال، ولن تلبث النبتة الصغيرة أن تستحيل دَوْحة باسقة بإذن الله القادر على كل شيء.

وفي كل جمهورية يتحمل الجيش مسؤولية الدفاع عن الشعب والوطن. نعم، الأصل أن يتفرغ الجيش للدفاع عن أمن البلاد الخارجي ولحمايتها مما يهدد حدودها ووجودها، وأن تتولى أجهزةُ الأمن الداخلي الدفاعَ عن أمن الأفراد والمجتمع، ولكننا نواجه في سوريا حالة شاذة، فقد سقطت البلاد تحت الاحتلال، ثم سطا المحتلون على جهازَي الأمن الخارجي والداخلي، الجيش والشرطة وأجهزة الأمن جميعاً، فوجّهوها كلها لحمايتهم وتكريس احتلالهم لبلادنا، ثم وُلد لنا جَنينُ جيشٍ حر، فصار من أوجب الواجبات علينا وعلى ثورتنا أن نرعى الجنين حتى يَشِبّ ويشتد عوده، فيخلصنا من الاحتلال وجيش الاحتلال وعصابات الاحتلال الأمنية والقمعية بإذن الله.

*   *   *

في المقالة الماضية اقترحت أن ندعم جيش سوريا الوطني الحر بالضغط على المجلس الوطني ليعترف بالجيش اعترافاً رسمياً ويعتبر مجلسه العسكري قيادة عسكرية شرعية في سوريا، وأن يسعى لتأمين ما يحتاج إليه الجيش من مال وسلاح وذخيرة ودعم إعلامي ولوجستي، واقترحت أن ندعمه أيضاً بالرجال حينما يُطلق النفيرَ ويعلن التعبئةَ ويفتح باب التطوع. في تلك الحالة تحديداً يمكن لمن يريد المشاركة بالسلاح أن يتطوع ويصبح جندياً حقيقياً يدافع عن الوطن الحر، وحتى ذلك الحين أرجو أن يكبح المتحمسون رغبتهم التي تلحّ عليهم لحمل السلاح، وأن يوافق أهل الثورة منذ اليوم ويتعاهدوا على أن لا يُحمَل السلاح ولا يُستعمَل إلا تحت مظلة الجيش الوطني وضمن تشكيلاته الرسمية، وذلك للأمور التالية:

(1) حتى لا تختلّ هوية الثورة التي بدأت جماهيرية سلمية واستمرت سلمية جماهيرية إلى اليوم، والتي ينبغي أن تستمر كذلك لأنها هي المصدر الحقيقي لشرعية الجيش الحر، فلولاها لما وُجد أصلاً، ولولا استمرارها لما كانت له شرعية حقيقية على الأرض. يجب أن لا ننسى أبداً أن استمرار جماهير الثورة في حراكهم الثوري السلمي على الأرض ما يزال هو الطريق الأفضل للوصول إلى الحرية وإسقاط النظام، وهو الذي يمنح الشرعية لذراع الثورة السياسية، المجلس الوطني الذي يمثلها في الخارج ويستعمل كل الأدوات السياسية الممكنة لمحاصرة النظام وعزله وإسقاطه، وهو أيضاً الذي يمنح الشرعية لذراع الثورة العسكري، الجيش الحر الذي يتحرك على الأرض لحماية الثورة ولضرب أهداف النظام المحتل وعصاباته القمعية والإجرامية.

(2) ولأن العمل العسكري يجب أن يكون مركزيّ التخطيط والقيادة حتى لا تتشتت جهودُه ويصادم بعضُها بعضاً، فلا بد إذن أن يخضع بعض المسلحين لغيرهم في تسلسل قيادي وتنظيمي عسكري صارم، ومن المعروف بَداهةً أن العسكريين المحترفين هم المؤهَّلون لقيادة العمل العسكري وجمع ما تفرق منه تحت قيادتهم.

(3) ولأن تعدد الجهات التي تحمل السلاح غيرُ مأمون، فالخلاف بينها وارد لأي سبب، لاختلاف في مناهجها وخططها أو بسبب علاقاتها وارتباطاتها، فيُخشى أن يستعمل بعضُها سلاحَه ضد بعض وتتحول المواجهة مع النظام إلى نزاع داخلي مسلح لا قدّر الله. ولا ريب أن النظام سوف يبذل جهده ويستثمر مكره للوقيعة بين رفاق السلاح لو تعدد حَمَلة السلاح، وهو ذو أسبقيات وتجارب في هذا الشأن، ولطالما اخترق الجماعات المسلحة وسخّرها لخدمة برامجه وتنفيذ مخططاته الخبيثة.

(4) وأخيراً لأن انتشار السلاح في أوساط المدنيين بعد سقوط النظام (القريب بإذنه تعالى) سيهدّد الأمن الاجتماعي، فالناس ليسوا سواء في تعاملهم مع السلاح وفي مراعاتهم لأخلاقياته وشروط اقتنائه واستعماله، ومن المشاهَد المعروف أن الذين يصلون إلى غايتهم بالقوة والسلاح يستمرؤون حل كل مشكلاتهم التالية بالقوة والسلاح، هذا الأمر رأيناه على الدوام في أعقاب الحروب الأهلية وحروب التحرير المسلحة في أنحاء العالم.

*   *   *

ملاحظة ختامية لا بد منها

المقصود بقصر استعمال السلاح على الجيش الحر وكتائبه هو العمل المسلح ضد النظام وأجهزته ومراكزه وعناصره وقياداته، كل ذلك هدف مشروع للجيش الحر المكلف بأمن البلاد وأمن العباد، وهو كله من أنواع العمليات العسكرية التي لا ينبغي أن يقوم بها إلا العسكريون وأن تكون قصراً على الجيش الحر. أما الدفاع عن النفس -على مستوى الأفراد والأحياء والمدن- فقد أوضحتُ غيرَ مرة أنه حق لمن يُعتدَى عليه لا يملك أحدٌ أن يسلبه إياه أو يحاججه فيه، والمدار فيه على المصلحة، فإذا غلب على الظن أن دفع العدوان بالسلاح لا يتسبب في ضرر أكبر فإنه يكون عندئذ واجباً، بل من أوجب الواجبات، أما إذا غلب على الظن أن يتسبب الدفاع بالسلاح في ضرر أكبر من عدمه فإنه يُترَك من باب اختيار أقل الضررين.

*   *   *

هذا المنشور نشر في رسائل الثورة. حفظ الرابط الثابت.

10 Responses to جمهورية سوريا الحرة

  1. جبري87 كتب:

    أفضل ما قرأت عن التسلح هو هذا التحديد وهذا التوضيح،فجزاك الله كل خير

  2. الله يعطيك ألف عافية أستاذ مجاهد، كفيت ووفيت، موضوع مهم جدا بالنظر إلى حالة المسلحين من الثوار في ليبيا.

  3. أحلام النصر كتب:

    الحمد لله والله أكبر ، مَن كان يصدق أن مثل هذا سيكون يوماً ؟! .. لقد طال علينا الأمد وبرح بنا الألم حتى ظننا وظن الظانون أننا باقون في نير العبودية للأبد ! ، غير أن الله تعالى كريم عظيم ، أراد لنا أن نتحرر أخيراً من طغاتنا ، فيسر لنا السبل وذلل لنا العقبات ، فإذا بنا لا ننجح وحسب … بل وتتحول ثورتنا إلى أعظم ثورة عرفها عصرنا ! .. وها نحن ذا ، لم يبقَ لنا إلا القليل ، والحمد لله من قبل ومن بعد .
    جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، وتحيا جمهورية سوريا الحرة .
    هنيئاً يا بني قومي هنيئاً = فَذا وطني عزيزٌ في عُلاهُ
    وَزغردَ شادياً فَرِحاً بنصرٍ = وَأينعتِ المكارمُ في ذُراهُ
    بَنوهُ فدَوهُ بالدَّمِ كلَّ آنٍ = فَضاعَ المسكُ ورداً في ثراهُ
    وَجادوا ما استكانوا غمضَ عينٍ = لِتسطعَ شمسُ حقٍّ في سماهُ
    وَيرجعَ موطني الغاليْ عزيزاً = وَيحبوَ بالخسارةِ مَنْ محاهُ
    ببابِ اللهِ قدْ وقفوا خشوعاً = كماةً مبتغينَ بِذا رضاهُ
    ((فليسَ القومُ إلاَّ أهلَ عزٍّ = وَليسَ سواكَ يا ربِّي إلهُ))
    شعر : أحلام النصر .

  4. Robah Saeid كتب:

    لى ابطال جيش سوريا الحر الفت انتباهكم ان من في الدبابات وعربات الجنود هم اخوانكم يريدون التمرد على الحقير ماهر انتبهوا فان شبيحة الاسد يقودون الجيش الشريف بالقوة-فهم بين خياريين اما الموت ظلما او ان يقتلوا شعبهم ظلما-اقول للجيش الحر الشريف استهدفوا عربات الشبيحة من خلف العربات والدبابات ومن اماهم اطلقوا قذائفكم على شبيحة الاسد-فقط لينضم لصفوفنا مزيدا من الضباط والجنود الاحرا-عاشت سوريا حرة عربية والنصر لنا

  5. غير معروف كتب:

    صبرا صبرا باأخواننا فى سوريا فأن دولة الظلم ساعة ودولة الحق الى قيام الساعه –فمهما طال الفجر فلأبد من طلوع الفجر — فأن هؤلاء الطواغيت الطغاه أمثال بشار الأسد قد أقترب أجلهم وهم فى غفله الخونه أتباع عبد الله بن سبأ اليهودى —- فأن موهم الصبح أليس الصبح بقريب

  6. ع كتب:

    سوريا سوف تنتصر علي الطغاة والمجرمين بإذن الله

  7. اللهم انصر الجيش الحر على بشار البطه

  8. فريد كتب:

    مند بداية الثورة السورية و نحن هنا فى الجزائر نتابع اخبارها بكل اهتمام و نفرح لفرحكم و نحزن لحزنكم و ندعو الله دائما ان يبلغكم النصر العاجل على الطاغية و عصابته و هو ليس ببعيد ان شاء الله

اترك رداً على لولو إلغاء الرد