سؤال الثورة الأكبر في عيدها التاسع

سؤال الثورة الأكبر في عيدها التاسع

مجاهد مأمون ديرانيّة

السؤال الأول والأكبر الذي يبحث عن جوابه كتّابُ الثورة ومؤرّخوها هو: هل كان قرار الثورة قراراً صائباً كما يقول أهل الثورة، أم كان مجازفة غيرَ محسوبة كما يزعم حزب “كنّا عايشين”؟

على أنه سؤال جدلي لا تترتب عليه نتيجة، فإن كان قرار الثورة صواباً لن نجد من نشكره عليه، وإن كان خطأ لن نجد من نلومه بسببه، لأن أحداً لا يعلم كيف بدأت الثورة ومَن يتحمل مسؤولية إطلاقها. نعم، بدأت الحكايةُ بخربشة أطفال درعا على الحيطان ثم خرج مئات الأحرار في أولى المظاهرات، لكن مَن الذي دفع الأطفال إلى الكتابة ومن أخرج الآخرين إلى الطرقات؟

كلما تأملنا ازددنا يقيناً بأن إرادة ربّانية كانت وراء تحريك الثورة ابتداء، وأن رعاية ربانية كانت خلف ثباتها واستمرارها رغم التحديات والصعوبات والمعوّقات. لقد وُجد ألفُ سبب لتُهزَم هذه الثورة وتموت ووُجدت خمسة أسباب لتنجح في البقاء، وانتصرت الخمسة على الألف، كيف؟ إنها المعجزة التي أعْيَتْ أهل العصر فلم يجدوا جوابها، وستُعجز كتّاب التاريخ ولن يجدوا لها الجواب.

*   *   *

رغم ذلك يبقى السؤال ضرورياً من باب المراجعة، من باب “محاكمة الثورة” في عيدها التاسع: أكانت الثورة صواباً يُشكر عليه كل من كان سبباً فيه، أم خطأ يُلام عليه كل من تورط فيه؟

يقول أعضاء حزب “كنا عايشين” إننا كنا عايشين، وهذا صحيح بمقاييس الأنعام لا بمقياس البشر، فالبهائم وحدها هي التي تكتفي بالأكل والشرب والسفاد، أما الإنسان فإن له أشواقاً روحية ورغبات نفسية وحاجات فكرية تجعله إنساناً مختلفاً عن الحيوان، وقد كانت الاستجابة لتلك الأشواق والرغبات والحاجات جرائمَ في قانون نظام الاحتلال الأسدي الطائفي، جرائم يستحق مرتكبوها أفظع الويلات وأشد العقوبات.

كان القانون غير المعلَن لذلك النظام الآثم: اخلع كرامتك وتجرد من إنسانيتك ثم ادخل في قفص الاستعباد الأكبر الذي كان اسمه ذات يوم سوريا، فانسَ أنك إنسان وعش فيها ذليلاً أسيراً كسيراً بلا كرامة ولا لسان، أو مُتْ وحيداً في المعتقلات أو شريداً في المغترَبات.

*   *   *

النتيجة التي نصل إليها: لو كان تفجير الثورة في سوريا جريمة فإنها سوف تسجَّل حتماً ضد مجهول، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، بل هي واجب شرعي ووطني وأخلاقي لا مفر منه، فما كان لأهل سوريا أن يرضَوا بحياة الذلة والاستعباد، ولا أن يسمحوا بأن تنتقل هذه الذلة والعبودية إلى الأولاد والأحفاد وأن تتسلسل في الأعقاب بلا نهاية، وما كان لهذا النظام المجرم أن يتنازل طوعاً عن استبداده، ولا كانت طائفته لتتنازل بإرادتها عن تحكّمها في أكثرية سكان البلاد. ما كان لشيء من هذا أن يأتي على طبق من فضة ولا على طبق من ذهب، إنما تنتزع الحرية والكرامة من هذا النظام قسراً بالثورة التي تروّيها الدماء والتضحيات.

فشكراً لكم يا أطفال درعا، يا من كنتم في ذلك اليوم الخالد أطفالاً وصرتم اليوم في جملة الرجال. وشكراً لكم يا طلائع الثوار الأحرار، يا من كنتم قلّة قليلة ثم غدوتم الكثرة الكاثرة من السوريين. والحمد لله من قبلُ ومن بعد، الحمد له على ما قدّر وعلى ما اختار، ونسأله عز وجل وتبارك أن يقصر المحنة ويقرب الفرج، وأن يعين أهل سوريا على طول الطريق وأن يكلل صبرهم وجهادهم بالنصر الكامل وبالحرية والاستقلال.

هذا المنشور نشر في خواطر ومشاعر, رسائل الثورة وكلماته الدلالية , , , , , , , , , , , , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

التعليقات