أيّ مدرسة أختار لأولادي؟

خواطر في المدرسة والتعليم (1)

أيّ مدرسة أختار لأولادي؟

مجاهد مأمون ديرانيّة

في هذه الأيام يستعد ملايين التلاميذ للتوجه إلى مدارسهم للبدء بعام دراسي جديد، ويَحارُ كثير من الآباء والأمهات وهم يفكرون: أيّ المدارس هي الأصلح لأولادهم من بين مئات الخيارات؟

فأما الذين اختاروا مدارس حكومية فقد تركوا العبء لمديريات التعليم التي توزع الطلاب على المدارس باعتبار القرب الجغرافي أو الأماكن المتاحة في الفصول، وأما الذين فضّلوا المدارس الخاصة فقد حملوا عبء الاختيار والقرار، فاختار بعضهم المدرسةَ القريبة لتيسير الوصول، وبعضهم اختار المدرسة الرخيصة لتوفير النفقات، وآخرون يختارون المدارس الفاخرة للتباهي أمام الأصدقاء أو لظنهم أنها تقدم نوعاً أفضل من التعليم.

مهما اختلفت الأسباب التي تدفع الوالدِين إلى هذه المدرسة أو تلك فإن هاجس التعليم الجيد والمناهج المتطورة يبقى هو الهاجسَ المسيطر على الأكثرين، ويكاد يكون هذا المعيار هو الأكثرَ تأثيراً في القرار النهائي وفي اختيار المدرسة التي سيذهب إليها الأولاد.

قليلون من الأمهات والآباء هم الذين يهتمون بالجوّ الاجتماعي والأخلاقي للمدرسة وطلابها، وهذا هو المقياس الأهم فيما أحسب، لأن المدارس تقدم لأولادنا خدمتين أساسيتين ليست أيٌّ منهما أقلَّ أهميةً من الأخرى: التعليم والتنشئة الاجتماعية. على أن التعليم يُجبَر نقصُه في البيت لو وقع فيه نقص (وهي حالة شائعة في المدارس هذه الأيام) بخلاف التربية الاجتماعية التي يصعب تدارك آثارها السلبية (وهي حالة أكثر شيوعاً من سابقتها) لأن تأثير المدرسة في هذا المقام أشد من تأثير البيت ولأن تأثّر الصغار بالأقران وبالجو العام كبير كبير.

*   *   *

أنا أصنّف المدارس عادة في ثلاث فئات: عالية ومتوسطة ودُنيا، وخلال مسيرة تعليم أولادي الطويلة تجنبت الفئتين الأولى والثالثة على الدوام. أما الأولى فلأن مستواها العالي ينعكس في رفاهية طلابها وكثرة المترفين بينهم، والترف بيئة خصبة لاختلال الفطرة وفساد الأخلاق، وأما الثالثة فلأن مستواها المتدني ينعكس في تفلّت طلابها وقلّة حظهم من التربية، وفي الحالتين تزداد فرص التحلل الأخلاقي والبعد عن الدين في مجتمعات الطلاب.

وقد يقول الأمهات والآباء إنهم بذلوا الغاية في تربية أولادهم وتحصينهم فلا يُبالون في أي بيئة مدرسية تركوهم يعيشون، لكن التأثير الذي تصنعه الرفقة في شخصيات أبنائنا أشد مما يتصور كثيرون، والصاحب ساحب، فإما صاحبٌ صالح يسحب إلى طريق الجنة والفلاح بإذن الله، وإما صاحب طالح يسحب إلى طريق النار والبوار لا قدّر الله.

من أجل ذلك كنت أبحث عن البيئة الصالحة الخَيِّرة في المدرسة التي أختارها لأولادي. وصلاح المدرسة لا يُحكَم عليه باتساع البُنيان وارتفاع الجدران ولا بالاسم الرنّان والشعار الفتّان، بل بأصالة الإنسان: بما لدى أساتذتها من علم ودين وطلابها من انضباط وأخلاق.

وليس في اختيار مدرسة تتحقق فيها هذه الصفات خسارة علمية ولو كانت متوسطة في جودة المناهج وقوة التعليم، لأن الولد (البنت والصبي، كلاهما ولدٌ في اللغة لأن الوَلَد كل ما وُلد، ويشمل المفردَ والمثنّى والجمع أيضاً) إن كان الولد مرتاحاً في مدرسته متفاهماً مع أساتذته منسجماً مع أصدقائه فإن اهتمامَه بالدراسة وسعيَه إلى التفوق سيكونان أشدّ مما لو كان في مدرسة لا يحس بالراحة فيها والانتماء إليها، وهكذا يكسب خيرَي الدنيا والآخرة بإذن الله.

أسأل الله أن يحفظ أولادكم ويرزقهم المدارس الجيدة والرفقة الصالحة وأن يوفقهم ويجعلهم من الناجحين الفالحين في الدارَين.

هذا المنشور نشر في مشكلات اجتماعية وتربوية وأسرية وكلماته الدلالية , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

التعليقات